سورة القصص - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (القصص)


        


قوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنا القرونَ الأولى} يعني قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم {بصائرَ للناس} أي: ليبصروا به ويهتدوا.
قوله تعالى: {وما كنتَ بجانب الغربيِّ} قال الزجاج: أي: وما كنتَ بجانب الجبل الغربيّ.
قوله تعالى: {إِذ قَضَيْنا إِلى موسى الأمرَ} أي: أحْكَمْنا الأمر معه بارساله إِلى فرعون وقومه، {وما كنتَ مِن الشاهدين} لذلك الأمر؛ وفي هذا بيان لصحة نبوَّة نبيِّنا صلى الله عليه وسلم، لأنهم يعلمون أنه لم يقرأ الكتب، ولم يشاهِد ما جرى، فلولا أنَّه أُوحي إِليه ذلك، ما علم.
قوله تعالى: {ولكنَّا أنشأْنا قروناً} أي: خَلَقْنا أُمماً مِن بعد موسى {فتَطَاوَلَ عليهم العُمُرُ} أي: طال إِمهالُهم فنسوا عهد الله وتركوا أمره؛ وهذا يدلُّ على أنه قد عُهد إِلى موسى وقومه عهود في أمر محمد صلى الله عليه وسلم، وأُمروا بالإِيمان به، فلمَّا طال إِمهالُهم، أعرضوا عن مراعاة العهود، {وما كنتَ ثاوياً} أي: مقيماً {في أهل مَدْيَنَ} فتَعْلَم خبر موسى وشعيب وابنتيه فتتلو ذلك على أهل مكة، {ولكنَّا كُنَّا مرسِلِين} أرسلناكَ إِلى أهل مكة، وأخبرناك خبر المتقدِّمِين، ولولا ذلك ما علمتَه. {وما كنتَ بجانب الطُّور} أي: بناحية الجبل الذي كُلّم عليه موسى {إِذ نادَيْنا} موسى وكلَّمناه، هذا قول الأكثرين؛ وقال أبو هريرة: كان هذا النداء: يا أُمَّة محمد، أعطيتُكم قبل أن تسألوني. وأستجيب لكم قبل أن تدعوني.
قوله تعالى: {ولكن رحمةً مِنْ ربِّك} قال الزجاج: المعنى: لم تُشاهِد قصص الأنبياء، ولكنَّا أوحينا إِليك وقصصناها عليك، رحمةً من ربِّك.
{ولولا أن تصيبهم مصيبة} جواب {لولا} محذوف، تقديره: لولا أنهم يحتجُّون بترك الإِرسال إِليهم لعاجلناهم بالعقوبة. وقيل: لولا ذلك لم نَحْتَجْ إِلى إِرسال الرسل ومؤاثرة الاحتجاج.


قوله تعالى: {فلمَّا جاءهم} يعني أهل مكة {الحقُّ مِنْ عندنا} وهو محمد عليه السلام والقرآن {قالوا لولا} أي: هلاَّ {أُوتيَ} محمد من الآيات {مِثْلَ ما أُوتيَ موسى} كالعصا واليد. قال المفسرون: أمرت اليهودُ قريشاً أن تسأل محمداً مثل ما أُوتيَ موسى، فقال الله تعالى: {أو لم يَكْفُروا بما أُوتيَ موسى} أي: فقد كفروا بآيات موسى، و{قالوا} في المشار إِليهم قولان:
أحدهما: اليهود.
والثاني: قريش. {سحران} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر: {ساحران}. {تََظَاهَرا} أي: تعاونا. وروى العباس الانصاري عن أبي عمرو: {تَظَّاهَرا} بتشديد الظاء.
وفيمن عَنَواْ ثلاثة أقوال.
أحدها: موسى ومحمد، قاله ابن عباس، والحسن، وسعيد بن جبير؛ فعلى هذا هو من قول مشركي العرب.
والثاني: موسى وهارون، قاله مجاهد؛ فعلى هذا هو من قول اليهود لهما في ابتداء الرسالة.
والثالث: محمد وعيسى، قاله قتادة؛ فعلى هذا هو من قول اليهود الذين لم يؤمنوا بنبيِّنا. وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي: {سِحْران} وفيه ثلاثة أقوال.
أحدها: التوراة والفرقان، قاله ابن عباس، والسدي.
والثاني: الإِنجيل والقرآن، قاله قتادة.
والثالث: الثوراة والإِنجيل، قاله أبو مجلز، وإِسماعيل ابن أبي خالد. ومعنى الكلام: كلُّ سِحْر منهما يقوِّي الآخر، فنُسب التظاهر إِلى السِحْرين توسُّعاً في الكلام، {وقالوا إِنَّا بكلٍّ كافرون} يعنون ما تقدَّم ذِكْره على اختلاف الأقوال، فقال الله لنبيِّه {قُلْ} لكفَّار مكة {فأْتُوا بكتابٍ مِنْ عِنْدِ الله هو أهدى منهما} أي: من التوراة والقرآن، {إِن كنتم صادِقين} أنَّهما ساحران. {فان لم يستجيبوا لك} أي: فان لم يأتوا بمثل التوراة والقرآن، {فاعلم أنَّما يَتَّبعون أهواءهم} أي: أنَّ ما ركبوه من الكفر لم يحملهم عليه حُجَّة، وإِنما آثروا فيه الهوى {ومَنْ أضَلُّ} أي: ولا أحد أضل، {مِمَّن اتَّبع هواه بغير هُدىً} أي: بغير رشاد ولا بيان جاء {من الله}. {ولقد وصَّلْنَا لهم القَولَ} وقرأ الحسن، وأبو المتوكل، وابن يعمر: {وصَلْنَا} بتخفيف الصاد.
وفي المشار إِليهم قولان:
أحدهما: أنهم قريش، قاله الأكثرون، منهم مجاهد.
والثاني: اليهود، قاله رفاعة القرظي.
والمعنى: أنزلنا القرآن يتبع بعضه بعضاً، ويُخْبِر عن الأمم الخالية كيف عُذِّبِوا لعلَّهم يتَّعظون.
{الذين آتيناهم الكتاب} وفيهم ثلاثة أقوال.
أحدها: أنهم مؤمنو أهل الكتاب، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال مجاهد.
والثاني: مسلمو أهل الإِنجيل، روى سعيد بن جبير عن ابن عباس أن أربعين من أصحاب النجاشي قَدِموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فشهدوا معه أُحُداً، فنزلت فيهم هذه الآية.
والثالث: مسلمو اليهود، كعبد الله بن سلام وغيره، قاله السدي.
قوله تعالى: {مِنْ قَبْله} أي: من قبل القرآن، {هُمْ به} في هاء الكناية قولان:
أحدهما: أنها ترجع إِلى محمد صلى الله عليه وسلم، لأن ذِكْره كان مكتوباً عندهم في كتبهم، فآمنوا به.
والثاني: إِلى القرآن.
قوله تعالى: {وإِذا يُتْلى عليهم} يعني القرآن {قالوا آمَنَّا به}، {إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْله} أي: من قبل نزول القرآن {مُسْلِمِين} أي: مُخْلِصِين لله مصدِّقين بمحمد، وذلك لأن ذِكْره كان في كتبهم فآمنوا به {أولئك يؤتَوْن أجرهم مَرَّتين}. في المشار إِليهم قولان:
أحدهما: أنَّهم مؤمنو أهل الكتاب، وهذا قول الجمهور، وهو الظاهر، وفيما صبروا عليه قولان:
أحدهما: أنهم صبروا على الكتاب الأوَّل، وصبروا على اتِّباعم محمداً، قاله قتادة، وابن زيد.
والثاني: أنهم صبروا على الإِيمان بمحمد قبل أن يُبْعَث، ثم على اتِّباعه حين بُعث، قاله الضحاك.
والقول الثاني: انهم قوم من المشركين أسلموا، فكان قومهم يؤذونهم، فصبروا على الأذى، قاله مجاهد.
قوله تعالى: {ويدرؤون بالحسنة السَّيئة} فيه أقوال قد شرحناها في [الرعد: 22].
قوله تعالى: {وإِذا سَمِعُوا اللَّغو} فيه ثلاث أقوال.
أحدها: الاذى والسَّبّ، قاله مجاهد.
والثاني: الشِّرك، قاله الضحاك.
والثالث: أنهم قوم من اليهود آمنوا، فكانوا يسمعون ما غيَّراليهود من صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيَكرهون ذلك ويُعْرِضون عنه، قاله ابن زيد. وهل هذا منسوخ، أم لا؟ فيه قولان.
وفي قوله: {وقالوا لنا أعمالُنا ولكم أعمالكم} قولان:
أحدهما: لنا دِيننا ولكم دِينكم.
والثاني: لنا حِلْمُنا ولكم سَفَهُكم.
{سلام عليكم} قال الزجاج: لم يريدوا التحيَّة، وإِنَّما أرادوا: بيننا وبينكم المُتَارَكة، وهذا قبل أن يؤمَر المسلمون بالقتال، وذكر المفسرون أنَّ هذا منسوخ بآية السيف.
وفي قوله: {لا نبتغي الجاهلين} ثلاثة أقوال.
أحدها: لا نبتغي دِين الجاهلين.
والثاني: لا نطلُب مجاورتهم.
والثالث: لا نريد أن نكون جُهَّالاً.


قوله تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدي مَنْ أحببتَ} قد ذكرنا سبب نزولها عند قوله: {ما كان للنَّبيِّ والذين آمنوا أن يَسْتَغْفِروا للمُشْرِكين} [التوبة: 113]، وقد روى مسلم فيما انفرد به عن البخاري من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمِّه «قل: لا إِله إِلا الله أشهد لك بها يوم القيامة»، فقال: لولا أن تُعيِّرني نساءُ قريش، يقلن: إِنَّما حمله على ذلك الجزع، لاقررتُ بها عينك، فأنزل الله عز وجل: {إِنَّك لا تهدي مَنْ أحببت} قال الزجاج: أجمع المفسرون أنها نزلت في أبي طالب. وفي قوله: {مَنْ أحببتَ} قولان:
أحدهما: من أحببتَ هدايته.
والثاني: من أحببتَه لقرابته.
{ولكنَّ الله يهدي من يشاء} أي: يُرْشِد لِدِينه من يشاء {وهو أعلمُ بالمهتدين} أي: من قدَّر له الهُدى.
قوله تعالى: {وقالوا إِنْ نَتَّبِعِ الهُدى معكَ} قال ابن عباس في رواية العوفي: هم ناس من قريش قالوا ذلك. وقال في رواية ابن أبي مُلَيْكة: إِنَّ الحارث بن عامر بن نوفل قال ذلك. وذكر مقاتل أن الحارث بن عامر قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إِنَّا لَنعلم أنَّ الذي تقول حق، ولكن يمنعنا ان نتَّبع الهُدى معك مخافة أن تتخطَّفنا العرب من أرضنا، يعنون مكة. ومعنى الاية: إِن اتَّبعناك على دينك خِفْنا العرب لمخالفتنا إِياها. والتَّخَطُّف: الانتزاع بسرعة؛ فردَّ اللّهُ عليهم قولهم، فقال: {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لهم حَرَماً} أي: أَوَلَمْ نُسْكِنْهم حَرَماً ونجعله مكاناً لهم، ومعنى {آمِناً}: ذو أمن يأمن فيه الناس، وذلك أن العرب كان يُغِير بعضُها على بعض، وأهل مكة آمنون في الحرم من القتل والسَّبي والغارة، أي: فكيف يخافون إِذا أسلموا وهم في حرم آمن؟! {يُجْبي} قرأ نافع: {تُجْبي} بالتاء، أي: تُجْمَع إِليه وتُحمل من كل النواحي الثمرات، {رزْقاً مِنْ لَدُنَّا} أي: مِنْ عندنا {ولكنَّ أكثرهم} يعني أهل مكة {لا يَعْلَمون} أنَّ الله هو الذي فعل بهم ذلك فيشكرونه. ومعنى الآية: إِذا كنتم آمنين في حرمي تأكلون رزقي وتعبُدون غيري، فكيف تخافون إِذا عَبَدتموتي وآمنتم بي؟! ثم خوَّفهم عذاب الأمم الخالية فقال: {وكم أَهْلَكْنَا من قرية بَطِرَتْ مَعِيشتَها} قال الزجاج: {معيشتَها} منصوبة باسقاط في، والمعنى: بَطِرَتْ في معيشتها، والبطر: الطُّغيان في النِّعمة. قال عطاء: عاشوا في البطر فأكلوا رزق الله وعبدوا الأصنام.
قوله تعالى: {فتلك مساكنُهم لَمْ تُسْكَن مِنْ بَعدهم إِلاَّ قليلاً} قال ابن عباس: لم يسكُنْها إِلاَّ المسافرون ومارُّ الطريق يوماً أو ساعة، والمعنى: لم تُسْكَن من بعدهم إِلا سُكُوناً قليلاً {وكُنَّا نحن الوارثين} أي: لم يَخْلُفهم أحد بعد هلاكهم في منازلهم، فبقيتْ خراباً غير مسكونة.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8